الكاتب القاص المدير العام
عدد المساهمات : 271 تاريخ التسجيل : 20/11/2013 العمر : 46 الموقع : العراق - بغداد
| موضوع: يوم من حياتي الإثنين 08 مايو 2017, 4:50 pm | |
| يوم من حياتي
لم أنتبه من نومي الا وجرس المنبه يطرق اسماعي ، فما كان مني الا الاستيقاظ ، نعم أنها السادسة صباحا ،
فهممت بالتهيؤ لأقصد عملي ، نهضت من فراشي ، وانا بين لحظات عيوني الناعسة وبين نوبات التثاؤب
التي بدأت تنتابني بين لحظة واخرى ،
غير ان هذه الحالة لم تدم طويلا ، حين لامس الماء مسامات وجهي ، وقطراته تنعش جوارحي ،
حتى بدء النعاس ينسل من جسمي كتساقط قطرات الماء من وجهي ،
وكأن قطرات الماء كجرعة دواء منشطة ، قد حقنت بجسد مشلول فأبرء من علته ، بدأت متحمسا ليومي وانا امسح وجهي بمنديلي ،
وبعد ان اكمات ارتداء ملابسي ،
اقتصر فطوري على قطعة من شطائر الخبز المحمص وفنجان القهوة ، وقبل مغادرتي الدار توجهت الى غرفة ابنتي الصغيرة
التي لم تكمل سنتها الثانية بعد ، لأتزود منها بقبلة
ارسمها على خديها الجميلين ، لتزيد من نشاطي اليومي وحماسي في العمل ،
ولم افتح باب الغرفة حتى بدت براءتها لعلمها بدخولي غرفتها ، وهي واضعة احدى يديها على عيونها ،
لتختلس النظر من بين اصابعها ، فاضحة امرها بابتسامتها الناعسة والهادئة التي بدت واضحة اشد الوضوح ،
فتقربت منها مقبلا اياها واصابعها تلامس خدي وكأنها تتفحص وجهي ،
جاعلة حركة يديها تلك بعفوية مدعية بأنها نائمة ، فلم اتحمل رغبتي الا وانا ارسم قبلة اخرى على يديها الناعمتين ،
فما كان من ابتسامتها الا ان تفضحها مرة اخرى ، فضحكت في قرارة نفسي قائلا :
ان براءة الاطفال ترتقي الى صفات الملائكة ، عندها غادرت الغرفة متوجها الى عملي ،
تناظرت خطواتي وانا اتخطى الزقاق الذي اسكن فيه ، ومع قربي من بداية الشارع القريب من بيتي
حتى بصرت بجارتي الحاجة (( ام غريب )) ، وكان دأبها المزاح مع اهل الحي ،
والجميع ينظر اليها على انها امه المحببة ، وهي التي تعتبر جميع
اولاد الحي كأبنائها ، كانت تبتاع الخبز من المخبز ، كما هو دأبها كل يوم واستيقاظها باكرا ،
فتقربت منها لألقي التحية عليها ، فتقربت منها ، واذا بأحمد بائع الخبز الذي لم يتجاوزالخامسة عشر من عمرة
قد ناولها بعض الخبز ، فأحب ان يبتدأ يومه بمزحة مع الحاجة ام غريب قائلا لها : تفضلي هذا الخبز
ومعني النظر بهذا القرص من الخبز كأنه وجهك المجعد ،
وناولها قرصا قد مضى على خروجه من الفرن اكثر من ساعة ، والنار قد اخذت من القرص مأخذه ،
فردت عليه ممازحة اياه : قبلت ان استبدل هذا القرص الذي يشبه
وجهي المجهد ؟ بقرص لا تزال لسعة نار الفرن تستقر في جوفة ، كلسعة جمال وجهك المشرق الذي اطار لبي ،
حتى غدوت الا ابصر دربي ، وهي تعقب على كلامها بغمزة بعينيها
الى الشاب مع الابتسامة الهادئة ، فضحك احمد وهو محمر الوجه قائلا لها : خذي هذا القرص الجديد من غير ان ترجعي القديم ،
وهل يوجد شخص يمتلك جرأة (( ام غريب )) ،
فضحكنا جميعا ، فانتبهت الى وجودي بالقرب منها ، فالقيت عليها التحية ، فردت التحية وهي تقول ( مخاطبة احمد ) :
انظر الى وسامة هذا الرجل وعطره المميز الذي يجلب الحظ
ويريح النفس وان كنت في بئر مظلم ، لا رائحتك انت ، التي تشبه رائحة البطيخ وهي تفسد الطعام ،
فأجابها احمد قائلا : انا استسلم وبكامل ارادتي ، فأجابته : نعم ، هكذا افضل ،
كي اجلب لك الحلوى في المرة القادمة ، عندها لم اتمالك نفسي من شدة الضحك ، فضحكنا جميعا وودعتهم متوجها الى عملي ،
بدأت ابصر الشارع ، لقد كان مزدحما جدا غير
عادته ، فقررت ان اسير الى التقاطع لعلي اتخلص من زحمة السير ، سرت مع الناس المتوجهة لعملها ،
ولم نقترب من التقاطع حتى حلت الكارثة ، فلم اتيقن ماذا حدث ؟ فجأة !
عصفٌ من الهواء مصحوب بذرات الرمل ، وبعض الاشياء التي لم اتعرف على هويتها تتطاير من حولي ،
فسقطت على الارض ولم استطع السيطرة على نفسي ، كنت ابصر الناس
من حولي يتكلمون ويصرخون ، غير اني لا اسمع اصواتهم ، فقط ذلك الصوت الذي ملئ سمعي ،
وهو صوت الصفير ، هل اصبت ؟ ام هذا هول الصدمة ، ام ماذا ؟ حتى اقترب
شاب بقربي ، وهو يتفحص جسمي ، ويحاول ان يجعلني اقف على قدمي ، ولم اسمع من كلامه الى ان هدء ذلك الصفير ،
وهو يردد : الحمد لله على سلامتك ، فبدأت انفض الغبار
عن ملابسي مرددا : الحمد لله ، الحمد لله ، لكن الشاب تركني وهرول ! لكن الى اين ؟ فالتفت ورائي ، واذا بي ارى سيارة محترقة ،
وبعض الناس سقطوا ، والدماء تسيل من اجسامهم ،
عندها وبشعور لا ارادي ، توجهت مع الناس لإسعاف المصابين ، ولم اقترب الا وانا ارى بقايا سيارة متفحمة ،
نعم ، كانت هذه السيارة هي سبب الانفجار ، بدأت عيوني تتفحص المكان ،
والناس يجلون المصابين مخافة حدوث انفجار اخر ، بعد ان ازدحم الناس في المكان جراء الانفجار الاول ،
فسقطت عيوني على طفل صغير ، لم يتجاوز العاشرة من عمرة ،
يبدوا انه طالب في المدرسة ، وهو يرتدي الزي المدرسي ، فحاولت ان احمله ، غير انه وقف على قدمية ،
فقلت له : الحمد لله ، فأنت لست مصاب ، فلنخرج من هذا المكان ،
فخرجنا وعيونه تتفحص ما حوله ، فخطى خطوتين وانحنى الى الارض ليحمل حقيبته المدرسية او بقايا حقيبته الممزقة ،
والكتب منتشرة هنا وهناك ، فتناولها بيده ومضينا ،
ثم استوقفني قائلا : انتظر ، اريد ان احمل هذا ، فقلت له : دع الكتب الان ، ستعطيك المدرسة غيرها جديدة ،
فأجابني : لا بد ان اجلب هذا ، فانحنى عليه وتناوله بين اصابعه ،
مقبلا اياه وواضعه على جبهته وضمة الى صدرة ، وحين تفحصت الكتاب وجدته كتاب الله سبحانه ، فقلت في نفسي :
الحمد لله ، رغم ما يحل بنا فأن ايماننا لم يتزحزح من قلوبنا ،
وبعد هنيئة ، انحنى مرة اخرى ، لكن هذه المرة ، لم يلتقط كتابا او حقيبة ، بل التقط ورقة وخرجنا من المكان مسرعين ،
واثناء خروجنا لم انتبه الا ورجال الاسعاف
ينادونني : ان الطفل الذي برفقتك مصاب بإحدى يدية ، فتفحصت الطفل جيدا ، واذا بشظية صغيرة قد استقرت بيده اليمنى ،
فحملته الى سيارة الاسعاف القريبة مني ، ولم اترك الطفل حتى داخلني فضولي واستولى علي ،
لاستعلم بشأن تلك الورقة التي لا زالت بين اصابعه ، فأخذت اكلم نفسي :
هل هذا وقت لإشباع فضولي ، فلم استطع الا وقد جذبت الورقة التي يحملها من بين اصابعه ،
واذا به علم بلادي ، فسرحت وانا في مكاني بعالم اخر غير عالمي ،
اي حب هذا الذي يجعل الانسان ينسى سلامته ، وهو في رحم المخاطر ،
ولا يفكر الا في سلامة علم وطنه ، ولم انتبه من حالتي الا ودموعي قد رسمت الآم بلادي على علمها
وما هي الا لحظات الا ونحن في المستشفى ، والجميع قد هرع لنقل الجرحى الى ردهة الطوارئ ،
وقد اصطف الشباب في طابور طويل ، ليتبرعوا بالدم للمصابين والجرحى ،
فحمدت الله اني كنت احدهم ، لتختلط دمائنا كما اختلطت آلامنا واوجاعنا ،
بعد ان هدء روعي مما حل بنا ، انتبهت وقلت في نفسي : لا بد ان اتصل البيت لأطمئنهم علي ،
فأخرجت الهاتف لاتصل بالبيت ، ماذا ! لقد اتصل بي البيت اكثر من خمسة عشر
اتصالا ، اه ، لا بد انهم الان قلقون على ، لأتصل ، الو ، نعم هذا انا ، لا تقلقون فأنا بخير ،
لقد كنت انقل المصابين الى سيارات الاسعاف ، لقد انتهيت من تبرعي بالدم سآتي بعد
دقائق ، مع السلامة بعد الانتهاء من المكالمة ، هممت بالعودة الى البيت ، بعد ان غسلت يدي من آثار دم المصابين ،
داعيا الله سبحانه ان يزيل هذه الغمة عن هذه الامة ،
وان يجعل مستقبلنا افضل من حاضرنا ، انه مجيب الدعاء | |
|